تتنوع القهوة وتفضيلاتها لدى عشاق البُن على مختلف أنواعه ومصادره ودرجات تحميصه “فاتح أو وسط أو غامق”، وسواء كان المشروب سادة أو بنكهة محوجة.. ولكن هل توقعت يومًا أن تشرب فنجانًا من القهوة صُنع من خلايا نباتية؟
قد يبدو الأمر غريبًا، لكنه خيار حقيقي للغاية ويحظى باهتمام كبير.
وتتعرض شعبية القهوة الهائلة للتوتر، بسبب بصمتها الكربونية الملحوظة. إن زراعة كيلوجرام واحد من القهوة العربية وتصديرها إلى المملكة المتحدة تنتج انبعاثات غازات دفيئة تعادل 15.33 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط.
يتطلب متوسط فنجان القهوة 140 لترًا من الماء خلال مراحل النمو والمعالجة والنقل، وتشير التقارير إلى أن إنتاج القهوة قد يصل إلى النصف بحلول العام 2050 بسبب تغير المناخ.
وعلى الرغم من هذه الأرقام، فإن الطلب والاهتمام بالقهوة يتزايدان سنة بعد سنة. وهنا يأتي دور الخلايا النباتية لتقدم الحل.
ما هي القهوة المعتمدة على الخلايا النباتية؟
تصنع القهوة المعتمدة على الخلايا، باستخدام عينات من الخلايا النباتية المستخرجة من نباتات القهوة. يتم وضع هذه الخلايا في بيئة خاضعة للرقابة تسمى مفاعل حيوي، حيث يتم تغذيتها بمواد مغذية مختلفة ويسمح لها بالتكاثر.
بمجرد وصول الخلايا إلى الكمية المطلوبة، تُحصد من المفاعل الحيوي وتُجفف لإزالة أي رطوبة متبقية. ما تبقى في هذه المرحلة يشبه حبة القهوة.
وأخيرًا، يمكن تحميص هذا المنتج مثل القهوة التقليدية، مما يؤدي إلى ظهور المذاق والروائح والنكهات التي نتوقعها من القهوة.
كيف يرقى إلى مستوى القهوة الحقيقية؟
في الوقت الحالي، هذه مجرد مراحل مبكرة، وهي محاولة أولى لما يمكن أن يكون عليه مستقبل القهوة. وهذا يعني أنه لا تزال هناك مكامن خلل يتعين حلها. والأهم من ذلك، أنه لا تزال هناك إمكانية لتحسين نموذج القهوة المعتمد على الخلايا.
يقول رئيس قسم التكنولوجيا الحيوية النباتية في مركز VTT للأبحاث الفنية في فنلندا هيكي ريشر: “على عكس القهوة التي تجدها على أرفف المتاجر الكبرى، فإن هذا ليس منتجًا مثاليًا بأي حال من الأحوال، ولا أي من العمليات المتضمنة فيه”.
ونشر “ريشر” مع فريق من الباحثين دراسة حديثة توضح إثباتًا لمفهوم القهوة المعتمدة على الخلايا، مبينًا إمكاناتها ويظهر نتيجة نهائية يمكن أن تتنافس مع فنجان القهوة التقليدي.
وقال: “لقد قمنا بتخمير قهوة تعتمد على الخلايا وأجرينا تقييمًا حسيًا وتحليلًا كيميائيًا.
وأضاف “ريشر”: “هناك الآلاف من جزيئات النكهة في القهوة التقليدية وقد حققنا تداخلًا كبيرًا معها”.
وتابع: يمكن التعرف عليها كقهوة. نفس اللون والطعم مشابه، لكنه يفتقد بعض المكونات الفردية للوصول إلى نفس المستوى الحقيقي للقهوة الأصلية حقًا.
إلى جانب المذاق، فإن العامل الآخر الذي لا يمكن لهذه القهوة الجديدة مطابقته تمامًا هو كمية الكافيين.
ومع ذلك، مع صنع القهوة المعتمدة على الخلايا في مثل هذه البيئة الخاضعة للرقابة، يمكن تغيير العوامل.
يمكن التلاعب بجزيئات النكهة أو كمية الكافيين؛ للحصول على المنتج النهائي المثالي.
لماذا يمكن أن تكون القهوة المعتمدة على الخلايا أفضل للبيئة؟
في حين أن القهوة المعتمدة على الخلايا تشكل تحديًا فريدًا، يعتقد “ريشر” أنها قد تستحق المكافآت البيئية.
وقال “ريشر”: “إن البصمة الكربونية للقهوة هائلة. هناك مراحل الزراعة، والانبعاثات اللازمة للطيران حول العالم، والشحن وكل هذه العوامل الأخرى”.
وأضاف: “لهذا السبب، فإن أسعار القهوة مُتقلبة للغاية، وآخذة في الارتفاع”.
وتابع رئيس قسم التكنولوجيا الحيوية النباتية في مركز VTT للأبحاث الفنية في فنلندا: “نحن نرى مخاوف بشأن المستقبل لأن الطلب يرتفع بسرعة كبيرة. تتجه آسيا الآن نحو القهوة، مما يفتح سوقًا جديدة ضخمة. بينما تتضاءل الموارد”.
على الرغم من أن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا، إلا أن القهوة المعتمدة على الخلايا، تعتبر نسخة أسهل بكثير في صنعها. فهي لا تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه التي تحتاجها القهوة العادية، ولا تعتمد على مزارع ضخمة لزراعتها.
يمكن تنفيذ كل الإنتاج الزراعي محليًا مما يلغي الحاجة إلى النقل العالمي وسلاسل التوريد المعقدة.
إذا تم تحسين هذه التقنية، يمكن أن يكون مذاق القهوة المعتمدة على الخلايا، هو نفسه في القهوة العادية، مع تكلفة أقل وبصمة كربونية أقل. لكن الوصول إلى تلك المرحلة قد يكون معقدًا.
ويقول “ريشر” “هناك سلسلة قيمة طويلة مع منتج القهوة. إنها تنطوي على العديد من الصناعات، بدءًا من التحميص والمزارع والتكنولوجيا المستخدمة والتصنيع وما إلى ذلك. ولتطوير هذه القهوة البديلة حقًا، نحتاج إلى إشراك كل تلك الشركات والفرق، وهذا هو التحدي الحقيقي”.
الخلاصة.. إن محاولة تحويل صناعة بأكملها إلى منتجات تعتمد على الخلايا ليس بالأمر السهل – فقد واجهت اللحوم المعتمدة على الخلايا نفس المشكلة في الماضي-. والنتيجة الأكثر ترجيحًا هي أننا سنرى تغييرًا بسيطًا.
ومع تحسن التكنولوجيا، يمكن أن يزداد عرض القهوة المعتمدة على الخلايا. على الرغم من أنها ستكون باهظة الثمن في البداية، ومتوفرة بكميات صغيرة، إلا أنه في يوم من الأيام يمكننا جميعًا شرب القهوة المصنوعة في المختبر.
اقرأ أيضًا:
The post الخلايا النباتية تصنع قهوة صديقة للبيئة.. تعرف على مزاياها وعيوبها appeared first on مجلة عالم التكنولوجيا.
