هكر روس يطورون VPN للتهرب من الرقابة.. تجارب تروي التفاصيل

أراد المبرمج الشاب فقط الاستماع إلى الموسيقى على تطبيق Spotify للبث المباشر في غرفة نومه في نيجني نوفغورود، وهي مدينة تبعد حوالي 270 ميلاً (430 كم) شرق موسكو.

وبعد ثلاث سنوات، حصل رودكوفسكي، الذي يبلغ من العمر الآن 18 عامًا، على 1200 دولار – وهي الحصة الأكبر من أموال الجائزة – في مسابقة نظمتها الشهر الماضي مجموعة من المجتمع المدني لتصميم شبكة افتراضية خاصة (VPN) للتهرب من الرقابة الروسية.

إنه جزء من نظام بيئي متنامٍ للمبرمجين المستقلين وشركات VPN المنخرطة فيما يصفه البعض بلعبة “القط والفأر” مع السلطات لتجاوز الضوابط المفروضة على ما يمكن للروس الوصول إليه عبر الإنترنت.

وقال رودكوفسكي في مقابلة أجريت معه من مدينة غدانسك في بولندا: “أنا لست شخصًا سياسيًا بطبيعتي، لكنني لا أعتقد أن انتهاك الحريات الإنسانية الأساسية – حرية التعبير عن النفس والحصول على المعلومات – هو الشيء الصحيح”.

تحدثت رويترز إلى ستة مبرمجين يستعدون لحظر أكثر صرامة على شبكات VPN في روسيا، ويستخدم بعضهم تقنيات تعلموها من جهود المتسللين الصينيين للتهرب من “جدار الحماية العظيم” الأكثر صرامة هناك.

كما يعمل العديد من المبرمجين الآن من الخارج بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة مثل التنسيق في المحادثات الجماعية، وفي الهاكاثونات الافتراضية، وعلى منصات تطوير الويب التعاونية.

ولم يكشف العديد منهم لرويترز عن مواقعهم، وطلب آخرون الإشارة إليهم بأسمائهم الأولى حتى يتمكنوا من التحدث بحرية.

وضعت هيئة تنظيم الإنترنت الروسية “روسكومنادزور” مواقع إعلامية معارضة على قوائم سوداء وحظرت العديد من منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية في حملة صنفتها كجزء من حرب معلومات أطلقها الغرب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

ويتهم الكرملين بعض وسائل الإعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر دعاية سلبية حول روسيا لإثارة الفتنة في البلاد، والإطاحة بالحكومة في نهاية المطاف.

تقوم شبكات VPN بإنشاء “نفق” مشفر يمكن للجهاز من خلاله الوصول إلى الإنترنت؛ ما يؤدي إلى إخفاء البيانات الحساسة، مثل موقع الشخص أو ما يشاهده عبر الإنترنت.

كما ارتفع الطلب على مثل هذه الخدمات في روسيا بشكل كبير بعد أن أدى غزو موسكو لأوكرانيا إلى قيام الملايين بالبحث عن معلومات مستقلة.

وقام ما يقدر بنحو 33.5 مليون شخص بتنزيل VPN في روسيا في عام 2022، ارتفاعًا من 12.6 مليون في العام السابق، وفقًا لمؤشر عالمي تم صيانتها بواسطة Atlas VPN، مزود الخدمة.

ويستعد بعض المبرمجين لما يتوقعون أن يكون حقبة من الضوابط الأكثر صرامة بعد أن حصل الرئيس فلاديمير بوتين على ولاية حتى عام 2030 على الأقل بفوز ساحق في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.

ويريد المشرعون المؤيدون للكرملين تقييد الوصول إلى الإنترنت بشكل أكبر كجزء من معركة أوسع لحماية ما يشير إليه بوتين بـ “القيم التقليدية” لروسيا القائمة على الأسرة والأمة والعقيدة المسيحية الأرثوذكسية.

وردًا على سؤال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن موقف الحكومة من استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة، كما قال إنه ليس على علم بأي عقوبات مزمعة، وقال: “تبذل Roskomnadzor جهودًا لحظر بعض خدمات VPN، وستستمر هذه الجهود من أجل تقليل إمكانية التحايل على الحظر”.

تحظر هيئة تنظيم الإنترنت الروسية Roskomnadzor  حاليًا حوالي 150 شبكة VPN مشهورة، حسبما نقلت وسائل الإعلام الرسمية عن إيفجيني زايتسيف، رئيس قسم التحكم والإشراف على الاتصالات الإلكترونية، في منتدى سلامة الإنترنت في موسكو هذا الأسبوع، ولم تستجب الهيئة التنظيمية لطلب التعليق على هذه القصة.

وقال زايتسيف إن روسيا حظرت الشهر الماضي الإعلان عن شبكات VPN المستخدمة بشكل صريح للوصول إلى “المحتوى المحظور أو غير القانوني”، وقد حجبت Roskomnadzor حتى الآن ما يقرب من 700 صفحة ويب تنشر مثل هذه “الدعاية”.

وقال أحد مزودي VPN الروس ومنظمة المجتمع المدني التي تساعد جماعات حقوق الإنسان في الوصول إلى شبكات VPN لرويترز إن عملاءهم أبلغوا عن مشكلات في الخدمات التي كانت تعمل بشكل جيد قبل عام، طلب كلا المصدرين عدم الكشف عن هويتهما.

ويستخدم العديد من الروس الشبكات الافتراضية الخاصة للوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي الأمريكية المحظورة مثل فيسبوك وإنستجرام، وكلاهما مملوك لشركة ميتا بلاتفورمز إنك (META.O)، لنشر الصور عبر الإنترنت والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة في الداخل والخارج.

وصنفت روسيا ميتا على أنها “منظمة متطرفة” في عام 2022 بعد أن سمحت مؤقتًا للمستخدمين الأوكرانيين بنشر رسائل معارضة للغزو، مثل “الموت للغزاة الروس”، ودافعت Meta عن سياسات المحتوى الخاصة بها.

وفي حين أن كل وسائل الإعلام المستقلة الناطقة باللغة الروسية تقريبًا محظورة، فإن المواقع الإخبارية الغربية ليست كذلك.

يعتمد العديد من المبرمجين على أدوات مكافحة الرقابة التي تم تطويرها في الصين والولايات المتحدة للبقاء في صدارة هيئة تنظيم الإنترنت الروسية Roskomnadzor.

وقام أحد المطورين، الذي طلب الإشارة إليه باسمه الأول فقط. Evgeniy. بتطوير نسخة مبسطة من أداة التحايل الصينية المعروفة، Xray. كما يقوم تطبيقه “easy-xray” بتحويل حركة مرور الويب إلى خادم مستأجر في الخارج عبر عملية معقدة يقول إنها تخفي حركة مرور المستخدم من Roskomnadzor.

وقال إنه يمكن لما يصل إلى 20 شخصًا في نفس الوقت مشاركة خادم افتراضي واحد بشكل مريح، والذي يمكن للمستخدمين استئجاره مقابل بضعة دولارات شهريًا.

يتمحور جزء كبير من عمل المبرمجين حول تعزيز ما يسمى “البروتوكولات”، أو مجموعة القواعد التي تحكم كيفية نقل البيانات من الكمبيوتر المحمول أو الهاتف الذكي الخاص بالمستخدم إلى خادم VPN.

وقال إن النموذج الأولي لشبكة VPN الحائزة على جوائز من Rudkovsky يقوم بتبديل المستخدمين بين بروتوكولين في حالة حظر أحدهما، وهو في الأساس “اكتشاف الكتل أثناء التنقل”.

وقد صمم فيتالي فلاسينكو، وهو مبرمج يبلغ من العمر 37 عامًا، نظامًا مشابهًا.

وهو يعمل عن طريق العشرات من مستخدمي الإنترنت الذين يقومون بتثبيت تطبيقه، الذي يسميه “المستشعر”، على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم أو المعالجات الدقيقة الرخيصة، كما تقوم هذه “المستشعرات” بعد ذلك بإنشاء اتصالات بأنواع كثيرة من البروتوكولات، بحيث إذا تم حظر أحدها، تكون البروتوكولات الأخرى متاحة للاستخدام، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يقومون بتنزيل “المستشعر”، أصبح النظام أكثر قوة.

وانتقل فلاسينكو إلى تايلاند في يونيو 2022 قادمًا من مدينة نوفوسيبيرسك السيبيرية؛ حيث تطوع لصالح زعيم المعارضة الروسية الراحل أليكسي نافالني، وقال إنه ولد في مدينة دنيبرو الأوكرانية، وأنه غادر روسيا لأنه لم يعد قادرًا على العيش في بلد “يقصف وطني” بحسب وصفه.

قام فلاسينكو بتطوير مشروع “أجهزة الاستشعار” العام الماضي في نفس الهاكاثون عبر الإنترنت الذي شارك فيه رودكوفسكي مؤخرًا.

يطلق على الهاكاثون اسم Demhack، ويمنح المشاركين ثلاثة أيام لحل مجموعة من التحديات المتعلقة بقضايا حرية الإنترنت. كما فاز رودكوفسكي بتصميم شبكة VPN للهواتف المحمولة.

ويقول فلاسينكو إن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون من هذا القبيل لمكافحة الرقابة المتزايدة، حيث “أصبحت أساليب Roskomnadzor أكثر تقنية، والآن هناك حاجة إلى hackathons لإيجاد حل، فالتثبيت البسيط لبعض عملاء VPN لن يكون كافيًا”.

تحاول Amnezia VPN تعزيز مثل هذا التعاون، ويعد Amnezia أحد أكبر خدمات VPN المجانية في روسيا مع ما بين 200 إلى 250 ألف مستخدم نشط، ثلثاهم على الأقل داخل روسيا، وهو تطبيق مفتوح المصدر؛ ما يعني أنه يمكن لأي شخص نسخ وتعديل كود الكمبيوتر الخاص به لبناء مشاريعه الخاصة.

وقال المشغل مازاي بانزاييف: “لقد صدمت من مدى نمو المشروع”. “بدأ المئات من المتخصصين والمطورين في مجال تكنولوجيا المعلومات بالتجمع حولنا”، في محادثة جماعية على تطبيق Telegram تسمى “Amnezia VPN Development”، يتبادل أكثر من 400 مبرمج عشرات الرسائل يوميًا، ويتشاركون سطورًا من التعليمات البرمجية المنسوخة من تقنية Amnezia لاختبار الأفكار الجديدة واستكشاف الأخطاء وإصلاحها معًا عند ظهور المشكلات.

“أيها الأصدقاء، لماذا هناك مثل هذه السرعة المنخفضة الواردة؟” سأل أحد المبرمجين في الدردشة الجماعية في شهر مارس، طالبًا المساعدة فيما يتعلق بشبكة VPN الخاصة به.

وطلب آخر المساعدة في تكوين نوع من البروتوكول على هاتفه، وتبادل الرسائل وأسطر التعليمات البرمجية ذهابًا وإيابًا مع أحد أعضاء الدردشة لأكثر من ساعة حتى حل الاثنان المشكلة.

يعمل فريق بانزاييف على مدار الساعة لتطوير بروتوكول خاص به من شأنه إخفاء حركة مرور VPN، كما يمكنه خداع الرقابة وجعلها تعتقد أن المستخدمين يتصفحون الويب بشكل طبيعي.

وقال: “إن لعبة القط والفأر هذه مع الشبكات الافتراضية الخاصة ستؤدي إلى رغبة المنظمين في الحد من الاتصال بالعالم الخارجي بأي ثمن”.

ويراقب بانزاييف الصين وإيران؛ حيث الضوابط على الإنترنت أكثر صرامة مما هي عليه في روسيا، ويعتقد أنها مسألة وقت فقط قبل أن تحذو موسكو حذوها.

وقال “نحن لا ننتظر. لقد بدأنا في تطوير بروتوكولات VPN جديدة ستكون مستقرة في هذه الظروف الجديدة”.

يتم تجريم استخدام VPN في إيران، بينما تستخدم الدولة في الصين جيشًا من الرقابة البشرية لاستئصال المحتوى المناهض للشيوعية، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة ما يشاهده الناس عبر الإنترنت.

يقول الخبراء إن الدول الغربية تفرض قيودًا قليلة نسبيًا على الوصول إلى الإنترنت، على الرغم من أن بعض الحكومات تشعر بقلق متزايد بشأن القضايا ذات الصلة بما في ذلك الخصوصية وأمن البيانات والسيادة.

أقرت الولايات المتحدة تشريعًا هذا الأسبوع لإجبار المالك الصيني لـ TikTok على بيع أصوله الأمريكية أو مواجهة الحظر هناك، وسط قلق بشأن إمكانية وصول الصينيين إلى بيانات الأمريكيين.

وقال أندرو سوليفان- رئيس جمعية الإنترنت وهي مجموعة مناصرة أمريكية تعمل على تعزيز الحريات عبر الإنترنت- إنه على عكس الصين لم تفرض روسيا قيودًا عندما أنشأت بنية الإنترنت الخاصة بها لأول مرة في التسعينيات.

وقال سوليفان: “لدى روسيا تاريخ من الاتصال الجيد”، “كان من المؤلم للغاية مشاهدة الكرملين وهو يقوض ذلك”.

يقول ستة خبراء إن جهود موسكو لحظر جميع شبكات VPN من شأنها أن تخاطر بالإضرار بالوظائف الأخرى للإنترنت – على الأقل مؤقتًا – مثل المواقع الحكومية لدفع الضرائب أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.

وقال بوروجان من مركز تحليل السياسة الأوروبية: “لم يتم اختراع الإنترنت ليتم ترشيحها وتقسيمها إلى أجزاء ذات سيادة”.

“لذلك عندما تحاول حظر شيء ما أو حظر عناوين IP، فهذا يعني أنه يمكنك تعطيل النظام بأكمله”.

وعلى النقيض من إيران. تحتفظ روسيا بعلاقات قوية مع الاقتصاد العالمي، رغم العقوبات الغربية الحالية؛ ما يجعل تعطيل الخدمات الحيوية عبر الإنترنت أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

وقال سوليفان من جمعية الإنترنت إن الحجب العنيف يمكن أن يؤدي أيضًا إلى مزيد من انقطاع الإنترنت، والذي حدث العديد منه في روسيا في الأشهر الأخيرة.

وأضاف: “أصبحت روسيا مستعدة بشكل متزايد للتسامح مع هذا النوع من تدهور الإنترنت، إذا كان ذلك يعني منع الناس من الوصول إلى معلومات معينة”.

يقول بعض المدافعين عن حرية الإنترنت أن المطورين بحاجة إلى التفكير فيما هو أبعد من الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وإنشاء أدوات أخرى للتهرب من الرقابة، مثل برامج المراسلة المشفرة أو متصفحات الويب.

وقالت ناتاليا كرابيفا. المستشارة القانونية التقنية في منظمة Access Now، وهي منظمة عالمية غير ربحية تعمل في مجال الحقوق الرقمية: “لن يكون هناك حل ذهبي لكل شيء”، “نحن بحاجة إلى التفكير على المدى الطويل”.